أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محروس حفظي

بتاريخ 4 جمادي الآخرة 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م

خطبة الجمعة القادمة

خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 4 جمادي الآخرة 1446هـ ، الموافق 6 ديسمبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

___________________________________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

و للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

و للمزيد عن الدروس الدينية

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محروس حفظي :

 

(1) مقاصدُ وثمراتُ تعلّمِ اللغةِ العربيةِ.

(2) أثرُ اللغةِ العربيةِ في فهمِ النصِّ القرآنِي.

(3) دورُ اللغةِ العربيةِ في الحفاظِ على الهويةِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر 2024 م بعنوان : لغة القرآن والحفاظ على الهوية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي: 

« لغةُ القرآنِ، والحفاظُ على الهويةِ »

بتاريخ 4 جمادى الآخرة 1446 هـ = الموافق 6 ديسمبر 2024 م

 

الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر : لغة القرآن والحفاظ على الهوية

(1) مقاصدُ وثمراتُ تعلّمِ اللغةِ العربيةِ:

 إنّ اللغةَ هي الوعاءُ الحاملُ للمعاني والثقافاتِ المختلفةِ، وأحدُ أهمِّ عواملِ تشكيلِ الهويةِ، والتأثيرِ في بناءِ الشخصيةِ، ولذا عُدَّ من نعمِ اللهِ وآلائهِ وقدرتهِ وآياتهِ اختلافُ الألسنِ واللغاتِ فقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ ، وكلُّ رسولٍ يُبعَثُ إلى قومِه بلسانهِم ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ ورسولُنَا ﷺ خاتمُ الرسلِ والأنبياءِ أُرسلَ إلى الناسِ كافةً، وخُوطبَ بدعوتهِ العربُ والعجمُ قاطبةً، والعربُ قد أَعْطَوا للغتهِم أهميةً عظمى، وعنوا بها عنايةً فائقةً، ولم يَعرفْ البشرُ عبرَ تاريخهِم الطويلِ أمةً أقامتْ أسواقًا للكلمةِ غيرَ أمةِ العربِ، فقد كانوا يعرضون شعرَهُم ونثرَهُم فيها كسوقِ عكاظٍ وذيِ المجازِ وذيِ المجنةِ وغيرِهَا، بل مَن يَفُزْ في تلك الأسواقِ يُعَلّقْ ما كتبَهُ في الكعبةِ تشريفاً وتكريماً وتخليداً لذكراه، ومن هنا كانتْ معجزةُ رسولِنَا ﷺ مِن جنسِ ما برعَ فيه قومُهُ، فنزلَ القرآنُ، وتحداهُم اللهُ أنْ يأتوا بمثلهِ متدرجاً معهم في هذا التحديِ قال تعالى: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ﴾ ، فلما عجزوا تحداهُم أنْ يأتوا ﴿بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ﴾ ، ثم أرخى لهم العنانَ، وأسبلَ لهم الستارَ أنْ يأتوا ﴿بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾، فلما لم يستطيعوا وسّعَ دائرةَ التحدي لتشملَهُم والبشريةَ كلَّهَا بل الجنَّ والإنسَ إلى يومِ القيامةِ فقال تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾، وقال أيضاً: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾، وقد سجلَ التاريخُ جميعَ محاولاتِ معارضةِ القرآنِ الكريمِ التي باءتْ بالفشلِ، وكانتْ محلاً للسخريةِ، ومثاراً للضحكِ بين الصبيانِ، وهكذا ظلَّ القرآنُ كالطودِ الشامخِ ليحفظَ اللهُ به اللغةَ العربيةَ .

أخي الكريم: لقد أجملَ العلماءُ بعضَ مقاصدَ وثمراتِ تعلّمِ اللغةِ العربيةِ “لغةِ القرآنِ”:

أولاً: تعديلُ اللسانِ وتقويمُهُ.          ثانياً: تعليمُ النطقِ السليمِ.

 ثالثاً: الاعتزازُ باللغةِ وأسرارِهَا وميزتِهَا على غيرِهَا.

رابعاً: مواجهةُ ما يُحاكُ ضدهَا، ومزاحمتهَا باللغاتِ الأخرَى يُرَادُ مِن ذلكِ هدمُ الدينِ أو التشكيكُ فيهِ، أو إضعافُ أثرِهِ أو عدمُ فهمِهِ والعملِ بهِ.

خامساً: أنَّها تخدمُ العلومَ الأخرى، ففقهُهَا لهُ علاقةٌ بالعلومِ الشرعيةِ كعلمِ التفسيرِ والحديثِ والفقهِ وأصولِهِ… إلخ .     سادساً: تتجلَّى بهَا بلاغةُ القرآنِ وإعجازُهُ.

سابعاً: استقامةُ اللسانِ في الحلالِ والحرامِ؛ لأنَّ مِن اللحنِ ما يحيلُ الأحكامَ، ويقلبُ الأحكامَ الشرعيةَ؛ ولهذا يقولُ أبو بكرٍ -رضي اللهُ عنه-: “لتعلّمِ إعرابِ القرآنِ أحبُّ إليَّ مِن تعلّمِ حروفِهِ”، وقال عمرُ -رضي اللهُ عنه-: “تفقهُوا في السنةِ، وتفقهُوا في اللغةِ العربيةِ، وأعربُوا القرآنَ فإنَّهُ عربيٌّ” أ.ه.

ثامناً: اللغةُ مِن أهمِّ ملامحِ الشخصيةِ الإنسانيةِ إنْ لم تكنْ أهمهَا، وهي التي تربطُ المرءَ بأهلِهِ وأمتِهِ ودينِهِ وثقافتِهِ، فهي التاريخُ، وهي الجغرافيَا.

تاسعاً: اللغةُ مظهرٌ مِن مظاهرِ قوةِ الابتكارِ في الأمةِ، فإذا ضعفتْ قوةُ الابتكارِ توقفت اللغةُ، وإذا توقفت اللغةُ تقهقرت الأمةُ، وإذا تقهقرت الأمةُ فذلكُم هو الموتُ والاضمحلالُ والاندثارُ، وقد دلّت شواهدُ التاريخِ قديمُهَا وحديثُهَا أنَّهُ لم تتقدمْ دولةٌ ولم تُشيدْ حضارةٌ ما لم تكنْ العلومُ والتعليمُ بلغةِ الأمةِ نفسِهَا لا بلغةٍ أجنبيةٍ عنهَا.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر : لغة القرآن والحفاظ على الهوية

(2) أثرُ اللغةِ العربيةِ في فهمِ النصِّ القرآنِي:

القرآنُ الكريمُ نزلَ بلغةِ العربِ قالَ تعالَى: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾،  وقال أيضاً: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، وقال: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ ، وهذا اللسانُ يمتلكُ مِن الخصائصِ والمقوماتِ ما لم يمتلكْهُ لسانٌ آخرُ، ولا تملكهُ أيُّ لغةٍ أخرى، كما لا يمكنُ فهمُ كلامِ اللهِ ومعرفةُ مرادهِ على الوجهِ الصحيحِ بعيداً عن الغلوِّ والانحرافِ إلّا مِن خلالِ اللغةِ التي نزلَ بها، ولذا جاءتْ الآثارُ عن الصحابةِ تأمرُ بتعلمِ العربيةِ وإتقانِهَا، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ كَمَا تَعَلَّمُونَ حِفْظَ الْقُرْآنِ»، وكتبَ سيدنُاَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كتاباً إلى أحدِ عُمالهِ يوصيهِ فيهِ فيقولُ: «تَعَلَّمُوا الْعَرَبِيَّةَ فَإِنَّهَا تثبتُ العقلَ، وتَزِيدُ فِي الْمُرُوءَةِ»، ومِن ثَمّ توارثَ ذلك الخلفاءُ والأمراءُ مِن بعدهِم يقولُ عبدُالملكِ بنُ مروانٍ: «أصلحُوا ألسنتَكُم؛ فإنّ المرءَ تنوبُهُ النائبةُ، فيستعيرُ الثوبَ والدابةَ، ولا يمكنهُ أنْ يستعيرَ اللسانَ» .

إنّ أثرَ القرآنِ في العربيةِ باقٍ على مرِّ العصورِ وتوالي الدهورِ على الرغمِ من كثرةِ المحاولاتِ لطمسَها، وبذلِ الجهودِ لمحوِهَا، كما أنّ إدراكَ العربيةِ والإلمامَ بقواعدِهَا والإحاطةَ بأسرارِهَا لهو مِن أهَمِّ الأدواتِ بل هو الأساسُ في فهمِ مقاصدِ القرآنِ والسنةِ النبويةِ، والجهلُ بأسرارِ العربيةِ سببٌ أكيدٌ وعاملٌ رئيسٌ في الضلالِ والانحرافِ ونشرِ المفاهيمِ المغلوطةِ، وما زلَّ المنحرفون، وزاغَ المتنطعون، وارتفعتْ أصواتُ المتفيقهون المتشددون إلّا بسببِ جهلهِم بأسرارِهَا، وبُعدهِم عن اللسانِ العربيِّ، فالقرآنُ الكريمُ قد اشتملَ على أنواعٍ كثيرةٍ من الإعجازِ كالإعجازِ اللغويِ أو البيانيِ، والإعجازِ العلميِ، والإعجازِ العدديِ، والإعجازِ التشريعيِ، والإعجازِ التاريخيِ، والإعجازِ المقاصديِ وغيرِهَا مما لا يُحصيه العدُّ، ولا يحيطُ بهِ القلمُ، فما يستجدُّ من علومٍ ومعارفَ إلا وتجدُ القرآنَ قد سبقَهَا، وقررَ حقائقَهَا، مصداقًا لقولهِ تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾، وهذه الأنواعُ المتعددةُ من الإعجازِ لا يمكنُ الاهتداءُ والوصولُ إليها إلا من خلالِ لغةِ القرآنِ الكريمِ، ولذا كلُّ اكتشافٍ أو سبقٍ يخالفُ لغةَ القرآنِ أو يتعارضُ مع قوانينِ اللغةِ التي نزلَ بها يُضربُ به عُرضُ الحائطِ، ولا يُلتفتُ إليهِ .

لقد أردكَ العلماءُ أهميةَ اللغةِ العربيةِ في فهمِ القرآنِ، وعليه تفاوتُوا وتسابقُوا في بيانهِ – منذُ عهدِ نزولهِ إلى وقتِنَا الحاضرِ-  لكن مَن كان بلغةِ العربِ أعرفُ كانتْ معرفتُه بمعاني نصوصِ الكتابِ والسنةِ أكثرُ، وفهمُهُ لمدولاتِهَا أرسخُ وأتقنُ، ولذا حذروا من الخوضِ في التفسيرِ من غيرِ علمٍ بالعربيةِ يقولُ مجاهدُ بنُ جبرٍ المكيِ: «لا يحلُّ لأحدٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أنْ يتكلمَ في كتابِ اللهِ إذا لم يكنْ عالمًا بلغاتِ العربِ»، ويُضمُّ إلى علمِ العربيةِ أيضاً أسبابُ النزولِ، والسياقُ والقرائنُ التي حفتْ بالخطابِ حالَ التنزيلِ، وعلمُ المقاصدِ… الخ، وإلا فالاقتصارُ على اللغةِ وحدهَا يوقعُ في الخطأِ في التفسيرِ يقولُ القرطبيُّ: «فَمَنْ لَمْ يُحْكِمْ ظَاهِرَ التَّفْسِيرِ وَبَادَرَ إِلَى اسْتِنْبَاطِ الْمَعَانِي بِمُجَرَّدِ فَهْمِ الْعَرَبِيَّةِ كَثُرَ غَلَطُهُ، وَدَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِالرَّأْيِ، والنقل والسماع لا بدله مِنْهُ فِي ظَاهِرِ التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ الْفَهْمُ وَالِاسْتِنْبَاطُ».

والمستقرءُ للقرآنِ الكريمِ يجدُ أنّه جاءَ الربطُ بين اللسانِ العربيِ وبين إعمالِ العقلِ، وحسنِ الفهمِ، قال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فتفاعلَ المسلمون مع كتابِ ربِّهم فأعملوا عقولَهُم، وانطلقوا يعمرون الحياةَ ويتفاعلون معها حتى غدتْ حضارةً لا تُنكر، وأنتجوا تراثاً لا مثيلَ له، كما جاءَ الربطُ أيضاً بين اللغةِ العربيةِ والدعوةِ لطلبِ العلمِ فقال تعالى: ﴿كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ؛ ليشحذَ الهممَ، ويحثَّ على طلبِ العلمِ على اختلافِ مجالاتِهِ .

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 6 ديسمبر : لغة القرآن والحفاظ على الهوية

(3) دورُ اللغةِ العربيةِ في الحفاظِ على الهويةِ: اللغةُ العربيةُ هي أوسعُ اللغاتِ وأكثرُهَا بيانًا، وأوفاهَا بأداءِ المعنى، وأقدرُهَا على تأديةِ المرادِ حتى قال الإمامُ الشافعيُّ: «لسانُ العربِ أوسعُ الألسنةِ مذهبًا، وأكثرُهُم ألفاظًا، ولا نعلَمُهُ يحيطُ بجميعِ علمهِ إنسانٌ غيرُ نبيٍّ»، وبهذه الخصائصِ وتلكَ المقومات ِكانت العربيةُ قادرةً على استيعابِ التراثِ الإسلاميِّ والعربيِّ على تنوعهِ وتعددهِ على مرِّ التاريخِ، كما ضمنتْ للفكرِ العربيِ الحيويةَ والتجددَ ومِن ثَمَّ البقاءَ والخلودَ، والمعروفُ لدى أهلِ الاختصاصِ أنّ قيامَ الحضاراتِ واستمرَاهَا مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً ببقاءِ لغتِهَا، فاللغةُ تعبرُ عن وحدةِ الهدفِ ووحدةِ الصفِّ، وهي الوعاءُ الثقافيُّ الأهمُّ لأيٍّ أمةٍ تريدُ البقاءَ والاستمرارَ، ولغةّ القرآنِ هي الوحيدةُ من بين جميعِ اللغاتِ القادرةُ على استيعابِ ذلك كلّهِ، وهي حاضنةُ الحضارةِ العربيةِ، وناقلتُهَا إلى الأممِ والشعوبِ، وهذا بشهادةِ غيرِ العربِ يقولُ المستشرقُ الفرنسيُّ رينان: «مِن أغربِ المُدْهِشاتِ أنْ تنبتَ تلك اللغةُ القوميةُ، وتصلَ إلى درجةِ الكمالِ وسطَ الصحاري عندَ أمةٍ من الرُحّلِ، تلك اللغةُ التي فاقتْ أخواتِهَا بكثرةِ مفرداتِهَا ودقةِ معانيهَا وحسنِ نظامِ مبانيهَا، ولم يُعرفْ لها في كلِّ أطوارِ حياتِهَا طفولةٌ ولا شيخوخةٌ، ولا نكادُ نعلمُ من شأنِهَا إلا فتوحاتِهَا وانتصاراتِهَا التي لا تُبارى، ولا نعرفُ شبيهاً بهذه اللغةِ التي ظهرتْ للباحثين كاملةً من غيرِ تدرجٍ وبقيتْ حافظةً لكيانِهَا مِن كلِّ شائبةٍ»، وصدقَ القائلُ:

إنَّ الّذي ملأ اللغاتِ محاسنًا *** جعلَ الجمالَ وسرَّهُ في الضّادِ

لو لم تكُنْ أمُّ اللغـاتِ هيَ المُنى *** لكسرتُ أقلامي وعِفتُ مِدادي

لغةٌ إذا وقعتْ عـلى أسماعِنا *** كانتْ لنا برداً على الأكبادِ

ستظلُّ رابطةً تؤلفُ بينَنا *** فهيَ الرجاءُ لناطـقٍ بالضّادِ

فما أحوجَنَا إلى تعليمِ أولادنَا اللغةَ العربيةَ، وغرسِ أهميتهَا وقيمتهَا في نشأِنَا – كما تفعلُ الدولُ والمجتمعاتُ من حولِنَا، بل تبذلُ المالَ، وتعقدُ الندواتِ والمؤتمراتِ، وتقيمُ الدوراتِ وتأتي بأفضلِ المعلمين؛ لتسمو وتتسابقَ وتتشرفَ بين الأممِ بلغاتِهَا- لأنّ هذا يعززُ قيمَ الانتماءِ للوطنِ والأمةِ، ولذا كان السلفُ يؤدبون أولادَهُم على العربيةِ، ويصححون ما دخلَ عليها من عُجمةٍ وغرابةٍ، فهذا عَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يضربُ الحسنَ والحسينَ على اللحنِ في اللغةِ، وهذا عَبْد اللَّهِ بْنُ عُمْرَ بنُ الخطابِ يضربُ أولادَهُ على اللحنِ، ولا يضربُهُم على الخطأِ، وكذا كان يصنعُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهم أجمعين، وقد رأى سيدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رجلين وهما يَتَرَاطَنَان في الطوافِ، فعلاهُمَا بالدِّرَّةِ وقال: «لا أمَّ لكما، ابتغيا إلى العربيةِ سبيلاً»، فأين نحنُ من تلك التوجيهاتِ العمريةِ ؟! وأين أبناءُ المسلمين اليوم الذين زهدُوا في لغتهم لغةِ القرآنِ ؟ وأين أبناءُ المسلمينَ اليوم الذين زهدُوا في لغتِهِم لغةِ القرآنِ؟! قالَ الثعالبيُّ: “مَن أحبَّ اللهَ أحبَّ رسولَهُ، ومَن أحبَّ النبيَّ العربيَّ أحبَّ العربَ، ومَن أحبَّ العربَ، أحبَّ العربيةَ التي بهَا نزلَ أفضلُ الكتبِ على أفضلِ العجمِ والعربِ”. اهـ.

إنَّ المسلمينَ على مرِّ عصورِهِم لم يأخذُوا مِن الأممِ في احتكاكِهِم معهَا إلّا بمقدارِ الحاجةِ الماسةِ للتعبيرِ عن بعضِ المعانِي التي لم تكنْ موجودةً في لغتِهِم، ولم تفتنْهُم لغاتُ هذه الأممِ رغمَ حضاراتِهَا العريقةِ كفارسٍ والرومِ واليونانِ، بل زادَهُم ذلكَ تمسكاً وحرصاً، والعجيبُ في هذا الدينِ الأخاذِ أنَّ أبناءَ الأممِ الأخرَى هم الذينَ كانُوا يتسابقونَ إلى تعلمِ لغةِ القرآنِ، لغةِ الدينِ والعلمِ! بل هُم الذينَ نبغُوا فيهَا، وشاركُوا على نحوٍ مدهشٍ في وضعِ قواعدِهَا، وجمعِ معاجمِهَا.

وإذا كانت لغةُ القرآنِ بهذهِ القوةِ والمقدرةِ، وبتلكَ المنزلةِ، فلا غرابةَ أنْ تكونَ مستهدفةً مِن أعدائِهَا، فلقد علمَ المشتغلونَ بدراساتِ التاريخِ المعاصرِ، والمتابعونَ لمسيرةِ الاستعمارِ وسياساتِهِ قَدْرَ التهجمِ على اللغةِ والتهوينِ مِن شأنِهَا، والسخريةِ مِن المشتغلينَ بهَا، والتهكمِ بهَا في وسائلَ متنوعةٍ، ولا غرابةَ فيمَ،ا يقومونَ بهِ مِن أجلِ مصالحِهِم، وتحقيقِ أهدافِدِهم بل الأسَى مِمَّن هم ينتمونَ للإسلامِ، وصارُوا ينظرونَ إلى لغةِ القرآنِ باحتقارٍ أو ينادونَ بإبعادِهَا عن المجالِ العلمِي والعملِي، ولكنْ أنَّى لهُم ذلك فقد ضمنَ اللهُ حفظَ القرآنِ، وحفظَ لغتِهِ مِن كيدِ الكائدينَ، ومكرِ المعاندينَ قالَ تعالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾؛ لذا يجبُ على العلماءِ التكاتفُ والتعاونُ فيما بينهم على اختلافِ مجالاتِهِم لمواجهةِ ما يُحاكُ ضدُّ اللغةِ العربيةِ، وما يُدبرُ لإضعافِهَا وتجريفِهَا كاتهامِهَا بالصعوبةِ والجمودِ، والمناداةِ بتركِهَا، واستخدامِ العاميةِ.

وليس معنَى ذلكَ إهمالُ تعلّمِ اللغاتِ الأخرى، بل ينبغِي علينَا أنْ نتعلمَ منهَا ما يعينُنَا على التواصلِ مع الآخرين، والاستفادةِ مِن علومِهِم، فقد ثبتَ أنَّ رسولَنَا أمرَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنْ يتعلمَ لغةَ اليهودِ، فتعلمَهَا في مدةٍ وجيزةٍ دونَ أنْ يطغَي هذا على لغتِنَا العربيةِ، لغةِ القرآنِ والسنةِ.

اللهُمَّ اجعلْ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.

   كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان

 د / محروس رمضان حفظي عبد العال

مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

وللإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »